ما يؤلمني في تأملي ذلك ليس قسوة محاسبتي لذاتي وانما تذكري لاناس نحبهم شاركونا بعض سنين حياتنا .
والان لم يبقي لنا الا ذكراهم .. ليس هناك من لم يذق مرارة ذلك الالم .. الم فقدان عزيز سواء اكان قريبا او صديقا
ولاشك اننا كبشر نختلف في طريقة التعبير عن الم فقدان من نحب كلا حسب شخصيته وخلفيته الدينيه والثقافيه .
ورغم كل ما يكتب عن مرور الانسان بمراحل مختلفه من المشاعر قبل ان يتقبل فقدان من يحب بصورة نهائيه والتي
تبدأ بالانكار ثم الغضب .المقايضه ثم الحزن .وفي النهايه القبول لما حدث . الا انني كنت وما زلت شديد المعارضه
علي ان تكون هذه المراحل امر محتم علي كل الناس . وازددت قناعة بذلك بعد مشاهدتي لتفاعل العديد من الناس
لفقدان عزيز لديهم .
في دولنا العربيه لاحظت ان الناس يتقبلون مسألة الوفاة او فقدان الاحباء بطريقة مختلفة فتجد الغالبية يصلون اللي
مرحلة القبول بسرعة هائلة وان كانت قلوبهم مازالت تعتصر من الحزن ... وهذا التقبل السريع يعود الي الايمان
بالله وبقضائه وقدره . وادراكهم ان اظهار الغضب كردة فعل لوفاة عزيز انما هو اعتراض علي قدرة الله سبحان وتعالي .
كذلك لحظت ان الغالبيه من الناس تملك قوة طبيعية للبقاء والاستمرار تدفعهم الي التخلص من الحزن والمضي قدما
في حياتهم . وهولاء هم عادة من يركزون علي جعل ذكرياتهم مع من احبوا مصدر السعادة ودافعا لهم علي تجاوز احزانهم .
وهنالك ثلاثه انواع من العزاء او الحزن لفقدان الاحباء .فهنالك من يتالم بقوة وعمق لكنه يشفي ببطء . وهناك من يسيطر عليه الالم والحزن ولا يسطيع الخروج منه ابدا . وهناك النوع الثالث الذي يصدم في البدايه ويحزن ولكن سرعان ما يمضي قدما مع حياته العاديه .
تعجبني العديد من عاداتنا وتقاليدنا . ففي أيام الاعزاء تجد جميع من تحب حولك يدعو لك و يخفف عنك .
ويستشعر ألمك ويذكرك بقدرة الله عليك .فتهون مصيبتك عليك .وترضي بقضاء الله لك . ولكن حتي عاداتنا
الجميلة هذه بدانا نشوه جمالها وسمو معانيها . باندفاعنا وراء ماديات الحياة .. فالعديد منا اصابته قسوة القلب
وانعدام احساسه . واصبح عندما يذهب للعزاء لا يذهب للموساة وانما لاداء واجب روتيني . وقد يصل التبلد لدي البعض في اعتبار تجمع الاعزاء كمناسبه اجتماعيه لرؤية أناس اخرين والتحدث معهم في الامور الحياتيه المختلفه بل يصل الي حد تبادل الابتسامات معهم غير ابهين بما يعانيه اصحاب المصيبه من مرارة والم وعميق حزن لفقدان من احبوا.فلاولئك المتبلدين حسيا اقول : ولا عزاء للعزاء .
دعواتي لكل حبيب فارقنا الحياة بالرحمه والمغفرة والسكني في جنات النعيم .